طمس معالم أورومتشي الدينية والثقافية
thumb
Tweet
13-12-2015
يخيل لك حين تطأ قدماك أرض العاصمة الإدارية لإقليم تركستان الشرقية أورومتشي أنك في دولة أوروبية شيدت على الطراز الحديث بأبنيتها الشاهقة، وشوارعها الواسعة، وجسورها المعلقة لولا وجوه المارة وواجهات المحال التجارية، وبعض اللافتات المكتوبة باللغة المحلية ذات الحروف عربية الشكل.
إنه المد العمراني الذي تسعى من خلاله السلطات الصينية إلى طمس المزيد من المعالم الدينية والثقافية في مدينة أورومتشي، وذلك في إطار سياسة الإقصاء التي تنتهجها الدولة في التعامل مع قومية الأويغور المسلمة.
ترى الصين في بروز الطابع الديني للمدينة تهديدا لأمنها القومي لما يحمله من تأكيد وتثبيت لهوية الأويغور الذين تحركهم نوازع انفصالية، لذلك تعمل على طمس كافة المظاهر الإسلامية لديهم تمهيدا لإذابتهم في بوتقة المجتمع الصيني.
وهذا ما يفسر الانتشار الكبير للمحال التي تباع فيها الخمور، وأماكن اللهو والنوادي الليلية التي يديرها أبناء قومية الهان الذين يسيطرون بفضل الدعم الكبير الذي يحظون به من الحكومة على كافة القطاعات الاقتصادية في المدينة.
وأثناء تجولي في سوق أورومتشي المركزي أثارت انتباهي مجموعة من الصور الإباحية لإعلانات تجارية لا علاقة لها بالمنتجات التي تباع في المحال التي علقت على واجهاتها تلك الصور، وهو ما يؤكد المخطط الصيني الرامي لإفساد جيل الشباب من قومية الأويغور.
كما وتظهر أيضا عمليات الهدم الممنهجة التي تستهدف المساجد والمنازل القديمة بحجة إعادة الترميم والتطوير والتنمية، ووفق شهادة الشيخ يوسف -اسم مستعار- إمام أحد المساجد التي تم هدمها قبل شهرين بالحجة نفسها فإن السلطات الصينية قامت منذ مطلع العام الجاري بهدم أكثر من 35 مسجدا في المدينة وتسريح نحو خمسين إماما، وحين سألته عن مصير الأئمة بعد تسريحهم، وإن كانوا يحصلون على تعويض من الحكومة أجاب أن عدم المساس بهم أو التعرض لهم هو أكبر تعويض يمكن أن يحصلوا عليه، لأنهم يخضعون جميعا للمساءلة القانونية والملاحقة الأمنية ما لم يقدموا فروض الولاء والطاعة للسلطة الحاكمة.
وأضاف الشيخ يوسف أن العديد من المساجد يتم استخدامها ثكنات عسكرية ومخازن أسلحة ومراكز تحقيق واعتقال من قبل أفراد قوات الأمن الصينية، لذلك بات الكثير من المسلمين في المدينة يفضلون الصلاة في منازلهم لكي لا يتم ابتزازهم أو اعتقالهم على غرار ما حدث لعشرات الآلاف من الشباب الذين اعتقلوا فقط لمجرد ذهابهم إلى المسجد لأداء فريضة الصلاة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى منع تداول المصاحف في المدينة، والكتب والدوريات الإسلامية، ومنع استخدام مكبرات الصوت لرفع الأذان بحجة إزعاج العامة، ومنع تطبيق الأحكام الشرعية في تنظيم الأحوال الشخصية التي تتعلق بالزواج والطلاق والميراث، بالإضافة إلى منع استخدام اللغة المحلية في الخطابات الرسمية، وإخضاع المؤسسات التربوية للمناهج التعليمية الصينية.
هذه القوانين الصارمة تم تعميمها على أئمة المساجد ومديري المدارس والوجهاء، وقد حصلت السلطات الصينية على تعهدات خطية مشددة من معظم الشخصيات المؤثرة في المجتمع الأويغوري تقر بالالتزام التام بتعليمات الحكومة، وتشير إلى أن كل من يخالفها سيعرض نفسه للمساءلة القانونية.
وأثناء متابعتي ثلاثة عروض فنية قدمتها مجموعة من الطلبة على مسرح المدينة، وعلى الرغم من أن إحدى الفرق كانت تحمل اسما أويغوريا كما أن كافة الفقرات التي قامت بتقديمها من التراث الأويغوري فإن أعضاء الفرقة كانوا جميعا من أبناء قومية الهان الصينية غير المسلمة.
وقد لفت نظري أن الفرقة لا تتقيد بالملابس التقليدية لقومية الأويغور وهي ملابس محتشمة لا تظهر سوى الوجه والكفين، بل على العكس من ذلك ترتدي ملابس فاضحة تكشف أكثر مما تستر، ومثل هذه الفرق يتم إرسالها عادة للمشاركة في المهرجانات الدولية تحت عنوان "فرقة التراث الفني الأويغوري".
ملف العدد
مجلة الجزيرة أكتوبر2015م
الكاتب: علي أبو مريحيل
أورومتشي