لم أكن على موعد مع عائلة "قازغن" حين التقيت بأحد أفرادها صدفة في قلب المدينة كاشغر، ثاني أكبر المدن في إقليم تركستان الشرقية (شنجيانغ) بعد العاصمة أورومتشي، التي يمكنك حتى اليوم أن تشم في شوارعها عبق تاريخ الإسلام وحضارته.
جمعني القدر بعائلة تختصر حكايتها كل مايمكن أن يكتب أو يقال عن الاضطهاد الاجتماعي والديني والثقافي الذي تتعرض له قومية الأويغور في إقليم تركستان، وقد ذاقت هذه العائلة ويلات القتل والنفي والاعتقال والحرمان على مدار 66 عاما قضتها تحت وطأة النظام الشيوعي الصيني.
بدأت مأساة عائلة قازغن قبل عشرة أعوام، حين أقالت السلطات الصينية عام 2005 رب الأسرة عبد القهار (64عاما) من وظيفته مديرا لإحدى المدارس الابتدائية في المدينة، بحجة عدم التزام المدرسة والمدرسين بالمنهج الصيني.
وكان عبد القهار في ذلك الوقت يعيل ستة أبناء (أربع بنات وشابين)، ولم يكن لديه مصدر دخل آخر، فقرر أن يفتح مشروعا تجاريا صغيرا بما يملك من مدخرات، يعينه على إعالة أسرته.
ولم يمض عام على افتتاح المشروع حتى استلم إخطارا من السلطة المحلية، يطلب منه إخلاء محله التجاري، وتفريغه من البضائع خلال يومين، بحجة خضوع المنطقة للترميم ضمن برامج التنمية التي تشرف عليها الحكومة.
ولم تقف مأساة عائلة قازغن عند هذا الحد، ففي الخامس من يوليو/تموز2009، قتل الابن الأكبر "غلام" في المجزرة التي ارتكبتها قوات الأمن الصينية في العاصمة أورومتشي، حين قامت بإطلاق النار عشوائيا على المتظاهرين الأويغور حيث كان غلام واحدا من عشرات الآلاف الذين خرجوا بشكل سلمي للمطالبة بالقصاص من المشتبه في ضلوعهم في حادث المصنع الشهير الذي أدى إلى مقتل اثنين من العمال الأويغور على خلفية صراع عرقي.
رحل غلام مخلفا ورائه زوجة وأربعة أطفال، دون معيل، في بيت طيني لا يصلح حتى للدواب، وبصوت متقطع، ودمعة لا تفارق وجهها، تذكرت آمنة الأيام الأخيرة التي قضاها زوجها بينهم في كاشغر، قبل سفره للعمل في العاصمة أورومتشي. كيف كان يداعب أطفاله ويعدهم بمستقبل أفضل، وكيف كان يخطط لتسجيل ابنه الرضيع على اسم أخيه المتزوج حديثا، حتى يتمكن من إدراج اسمه في سجلات الحكومة، فلا يفقد حقه في العلاج والتعليم. إذ لا يسمح القانون الصيني لأبناء الأقلية المسلمة بإنجاب أكثر من طفلين في المدن، وثلاثة أطفال في الريف والقرى. وهي مشكلة لن تقف آمنة عندها، لكونها لا تملك أصلا ما تطعم به أطفالها، فكيف تقوى على مصاريف تعليمهم وعلاجهم.